عفوا سيدى الرئيس 2
صفحة 1 من اصل 1
عفوا سيدى الرئيس 2
كنت ولا تزال مولعا باختيار الأكثر سوءا, واستمرار الاحتفاظ بكل من حامت حولهم الشبهات, بل وصل بك الأمر إلى اعطاء الأوامر بمد فترة خدمة كل من يحقق فشلا, أو تتجمع خيوط الشبهات حوله لتنفجر قضايا موثقة تنشرها الصحافة على الملأ, وهكذا عاش في رغد تحت رعايتك وزير المالية السابق لخمس سنوات, ومحافظ الاسكندرية المستشار لثلاثة عشر عاما, ومحافظ الجيزة السابق, ورئيس مجلس ادارة مصر للطيران, والرجل الثاني يوسف عبد الرحمن بعد رجلك الثاني يوسف والي, ومئات من مخربي مصر الطيبة.
يدهشني أن يظن أحد أن هناك فارقا كبيرا بين لصوص بغداد والموصل وكركوك والبصرة,
وبين اللصوص في عهدك الذين لم يكونوا في حماية القوات الأمريكية والبريطانية, ولم تفجر لصوصيتهم فوضى عارمة وانفلات أمني ومشاعر انتقام من حكم تسلطي وحشي, لكنهم يرتدون أفخر الثياب, ويفتح لكل منهم باب سيارة فارهة سائق مهندم, ويستقبله على باب البنك السيد المدير أو نائبه, ويقدم مشروعا وهميا في غياب تام للدولة ومؤسساتها وإدارتها, ولا يمر وقت طويل حتى تكون عدة مئات من الملايين في حساب صاحبنا الذي يعلم مسبقا, وبناء على سوابق وشهود ووقائع وخبرات أن نهب خيرات الوطن في عهدك الميمون أيسر وأكثر سهولة من حصول عامل مسكين على منحة سنوية لا تكفي بضع ساعات من الدروس الخصوصية لأحد أبنائه.
سيدي الرئيس,
ماذا فعلت بمصرنا ووطننا وحبنا الكبير التي كانت هادئة ومسالمة يحرسها نيلها, ويربت على كتفها أبناؤها كلما خرجت من محنة أو هزيمة أو نصف انتصار أو نكسة أو فشل في مشروع أو خطة خمسية؟
أنت الوحيد الذي تمكن من تغيير معالم الوطن فبدا كأنه انتقام من مصر وشعبها وأرضها, ولم تكتف بكوارث لا حصر لها في أكثر من عقدين, بل إنك في مشهد مأساوي حزين, وتكبر سيادي في مواجهة رعاياك, واحتقار شديد البأس لأبناء أرض الكنانة, تقرر بعد اعداد وتهيئة وخطط محكمة وتفريغ السلطة من أي كبير أو طامح استمرار حكم مصر في صورة ابنك, وازدراء كل المطالب الشعبية والشرعية والقانونية والدستورية والانسانية والدولية التي ترى حق الشعب في تقرير مصيره ونظام حكمه واختيار حاكمه وفقا لمساواة كل المصريين وأحقية أي منهم في ترشيح نفسه ومنافستك في مناخ من الحرية والديمقراطية والأمانة والوطنية.
هل أنت خائف من رسالة تهديدية قد تأتيك على حين غرة يطالبك فيها اسياد العالم الجدد بالافراج عن آلاف المعتقلين الأبرياء, وبقبول مبدأ المنافسة النزيهة في انتخابات رئاسة الدولة, وباعطاء سلطة لرئيس الوزراء, كما فعلوا مع أبي عمار بعد أن فتتوا بقايا سلطته, وبكشف حسابات كل رجالك وأسرتك وولديك, وبتقديم كشف آخر لعشرات المليارات التي دخلت خزينة الدولة في العقدين المنصرمين وخرجت منها في مشروعات فاشلة, أو إلى حسابات اللصوص, أو في جوف حيتان الفساد, أو في مسكنات اقتصادية وتموينية لتهدئة أبناء انتفاضة يناير عام 77 حتى لا يتكرر المشهد في عهدك؟
دعني, سيدي الرئيس, أكون أكثر صراحة في مخاطبتك رغم معرفتي سلفا بأن نهجك في الابتعاد عما يصدع الرأس أثبت نجاحا فائقا, وأن السياج الأمني والرقابي الذي يحيط بك ويحميك ويبعدك عن شعبك لا يسمح لهمسة
معارضة أو مخالفة أو غير ودية أن تخترق جدران القصر الجمهوري بعابدين, أو تمر سهوا على حُراسك وحُماتك ورجال أمنك ومستشاريك.
هل تعرف أن أحلام المصريين كلهم, تقريبا, قد تم اختصارها واختزالها وتضييق طموحاتها في حلم واحد يجمع شعبك من النهر إلى البحر, وهو رحيلك وانتهاء نظام حكمك, واختفاء كل الوجوه الموميائية التي التصقت بكرسي العرش في وجودك, وساهمت عمدا ومع سبق اصرار وترصد في محاولات اغتيال الوطن, وتناسوا, وتناسيت معهم, أن مصر العظيمة أكبر منكم جميعا, وأنها ستقوم, وتنهض, وتزيل عن جسدها الطاهر ما علق به من آثام, وستستمتع بخيراتها وخبرات أبنائها , وستطرد من ارضها وتاريخها كل من حاول تخريبها وتدميرها.
حلم مصري جميل وشفاف يحمل في طياته أحزان الأرض كلها, ويجمع كل أبناء وادي النيل الخالد, ويهفو ليوم تشرق فيه شمس دافئة وساطعة تنعشه نسمات خفيفة, يفتح فيه المصري عينيه الواسعتين فلا يراك, ولا يشاهد أثرا لوريثك أو شقيقه, ولا يعثر على أي من الذين لازموك, وأحاطوا بك, وبسطوا عليك الحماية كما قمت أنت بحمايتهم, ليجد أمامه زعيما مصريا مطهرا بطمي النيل, وموجوعا حتى النخاع بآلام وأوجاع وعذابات أم الدنيا, فيخفف عنها, ويضمد جراحها, ويطارد سارقيها, ويأخذ بيدها إلى العالم الجديد, ويحارب الفقر والجهل والمرض والأمية, ويساوي نفسه بالمصريين كلهم, ويأمر باعادة كتابة دستور خلاق ومتحضر ومتمدن وعادل, ويمارس الديمقراطية الحقيقية التي ترى المصريين كلهم سواسية, وينهي عصر المتزلفين والمنافقين, ويمنح الصحافة حرية بناء الوطن معه, ولا يعين وزيرا أو محافظا أو مسؤولا كبيرا في أي منصب قبل أن يأتيه ملف المسؤول من المخابرات ومباحث أمن الدولة ومباحث الأموال نظيفا تماما من كل شبهة مالية أو اتصالات مشبوهة أو أمراض نفسية أو جرائم أو جنح أو سقطات أخلاقية.
ولا يتوقف الحلم المصري الجميل عند تلك المطالب لكنه يتسلل إلى كل بيت, ويمر على كل أرض صحراوية وزراعية, ويتوقف كثيرا عند الادارة العلمية السليمة والمتصلة بأحدث تكنولوجيا العصر في الكمبيوتر والكفاءات البشرية لينهل منها لمستقبل الوطن الجريح والمنهك والمتعب من طول فترة حكمك.
وحلم المصري في رحيلك أو هربك أو اختفائك أو حتى محاكمتك لا يعني أن دموع المصريين توقفت تماما, فعهدك شهد آلافا من انتهاكات حقوق المواطنين الانسانية, وتحت سمعك وبصرك وبرضائك ولذتك وشماتتك, فتح ضباط الشرطة سلخانات الشعب, وتم التعذيب, والتعليق من الأرجل, والصدمات الكهربية في مواضع العفة من أجساد رعاياك, والاعتداء الجنسي, وصب الكيروسين على الأجساد الضعيفة ثم اشعال النار بها, وتمت محاكمة أقل من واحد بالمئة من مجرمي وزبانية التعذيب.
وتستطيع منظمات حقوق الانسان المصرية والعربية والدولية أن تمدك بقائمة طويلة بطول فترة حكمك إن أنكرت للحظة واحدة أن كرامة المصري في عهدك أقل أهمية من كرامة أي حيوان أليف في أوروبا, لكن الكارثة أنك تعلم أننا نعلم أنك تعلم!
قد يبدو لك أنك تمكنت من قتل الحلم المصري في زعيم يخلفك, وليس من صلبك أو من تلاميذك ومريديك, وأن جمال مبارك الذي فرضته علينا وعلى أجيال أخرى قادمة هو الخيار الوحيد فأنت تحتقر وتزدري شعبك كله, وتراه بملايينه السبعين لا يستطيع أن يقدم لبلده الطاهر أفضل من ابنك, وأن العبيد يسمعون ويطيعون سيد القصر, لكنك مخطيء, سيدي الرئيس, فقد رأيت بنفسك كيف تهاوى تمثال صدام حسين بعد أن كان أحد ولديه على مرمى حجر من حكم عاصمة العباسيين, ومع سقوط بغداد كما تسقط ثمرة ناضجة من شجرة عجوز في يد أو فم جائع, تم توجيه النداء فورا إلى عاصمة الأمويين بتغيير الدستور, واحترام حقوق الانسان, وممارسة الديمقراطية على هوى سيد البيت الأبيض وإلا فإن عصا رامسفيلد المطرزة بقسوة تشيني والمختبئة خلف لباقة باول والملطفة ببارفان كونداليزا رايس كفيلة بفتح أبواب سجن تدمر وتسريح آلاف المعتقلين منه, والبحث عن عدة آلاف من جثث قامت سرايا الدفاع بدفنها قريبا من السجن الشهير, وتسليط اسرائيل على دمشق, واجبار كل الأسود على التعامل مع شارون كما يتعامل معه أبو عمار فيقدم التنازلات عن الأرض والقضية ويتفضل رئيس الوزراء الصهيوني بتقديم المياه المعدنية إلى قائد فتح والممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني!
كتبت لك من قبل مقالا تحت عنوان ( لا تصدقهم يا سيادة الرئيس!) أحدثك فيه عن مستشاريك ومعاونيك ووزرائك ورؤساء تحرير الصحف القومية الكبرى, لكنك, كعهدنا بك, لا تسمع إلا لصوت نفسك, ولا يصل إلى أذنيك صراخ موجوع, أو عذابات معتقل بريء, أو مطالب أرامل, أو استغاثات مواطنين, أو اقتراحات ادارية واقتصادية وأمنية وعلمية وأكاديمية وثقافية.
أعود إلى الحلم المصري الجميل والوردي والمتفائل برحيلك أو هربك, فأجده قد تمكن من الوجدان الشعبي كله, ولكنك لا تأبه ولا تكترث اعتمادا منك على استمرار البيات الطويل لرعاياك, والمهدئات التي يبتلعها رغم أنفه من أباطيل اعلام صفوت الشريف, والضمير الميت أو القاسي لمثقفي مصر ومفكريها من الذين تطعمهم موائدك العامرة, وتستضيفهم طائرة الرئاسة, وتزداد حساباتهم في البنوك بفضل امتيازات القرب منك, أو التزلف إليك, أو طاعتك, أو تبرير استبدادك.
سيدي الرئيس حسني مبارك,
لا استطيع أن اتخيل لبرهة واحدة المشهد المصري الحزين والمتهاوى والمدمر عندما ترحل أو تهرب, بإذن الله تعالى, وتبدأ الحقائق في الانكشاف على رعيتك رويدا .. رويدا, ويتنفس المصريون الصعداء, ويظهر كم الزيف والخداع والتدليس والافك الذي مارسته أجهزتك لتحدث المصريين عن المن والسلوى, وعن معجزات قد تحققت وأخرى في الطريق!
ليس لدي تفسير واحد للكراهية التي تحملها أنت لشعبك ووطنك ورعاياك حتى أنك مكنت اللصوص والحيتان الجدد في تفريغ الوطن من خيراته, ثم لم تكتف بهذا, بل أصررت على احتقار أبناء هذا البلد المعطاء العظيم باحتكارك السلطة لك دون رقيب أو محاسب أو انتخابات يترشح فيها غيرك, وكلما ظننت أن الموت مؤجل لولاية أخرى قمت بالتجديد لنفسك, واستفتيت المصريين, وكنت أنت القاضي والحكم والخصم والجلاد, فنجحت في استفتاءات لولايات أربع, فالنتائج معروفة سلفا, ولم يتوجه إلى صناديق الاستفتاء أكثر من ربع عدد المصريين, ولكن رجالك قادرون على وضع أي نتيجة تراها مناسبة.
استطيع أن أحصي لك مئات الأسباب أو آلافها للتأكيد ولاثبات كراهيتك لشعبك ولمصر كلها, وأنك كنت تسعى فقط للذة السلطة وشهوتها, ثم استمرارها في أجيالك من بعدك, ولذا رفضت تعيين نائب لك, ومسحت أي سلطة أخرى تقف بجانبك, وجمعت حولك المنافقين والمقربين والمتزلفين والفاشلين, وأغضمت عينيك عن كل التجاوزات المتعلقة بكرامة المصريين, مع افتراض أنها لم تكن رغبتك أو ارادتك أو برضائك, أو هي تعليمات ملزمة من قصرك لتأديب المصريين وتعليمهم مباديء العبودية والطاعة والصمت.
أليست وجبات التعذيب والاهانة والركل والبصق على الوجوه والاعتداء الجنسي والحرق في أقسام الشرطة وبمعرفتك الشخصية كراهية للمصريين ولمصر الطيبة الصابرة؟
أليس ما حدث تحت سمعك وبصرك من نهب خيرات وأموال مصر في ولاياتك الأربع كراهية تحملها أنت للبلد الذي سلمك شعبه مقاليد
حكمه, ومنحك سلطات مطلقة في مشربه ومأكله وحياته وموته وحاضره ومستقبله؟
أكثر من عشرين عاما وأنت, سيدي الرئيس, لا تملك رؤية واضحة وصريحة وواقعية وملزمة بسلطتك التنفيذية لصناعة دولة مؤسسات قائمة على إدارة سليمة وحديثة بضلعيها, الكفاءة والاستعانة بالتطور التكنولوجي الهائل؟
من يشاهد ما آلت إليه أوضاع الوطن في ظل قيادتك وحكمك لا يصدق أن هذا البلد يمكن أن يقوم من جديد, ولو قامت جهة محايدة تهتم بشؤون الادارة والحكم بزيارة لأهم مؤسسات الدولة في عهدك, الشهر العقاري, مجمع التحرير, محاكم الدولة, أرشيف مصر العصرية, خطوات استخراج ورقة رسمية أو شهادة أو تصدير مطبوعة أو تلقي بريد من الداخل أو الخارج, أو تقديم طلب لجهة رسمية أو تسلم بضائع في الجمرك, أو الحصول على وظيفة, لما صدق أننا في بدايات القرن الواحد والعشرين وننتمي لعالمنا ولعصرنا وزمن العولمة!
الادارة السليمة والعلمية التي لا يمكن لأي دولة عصرية أن تخطو خطوة واحدة للامام بدونها لم تكن على قائمة اهتماماتك, وربما طرحها عليك مستشار أو وزير أو محافظ أو خبير أو أكاديمي, لكن يبدو أن تخفيف معاناة مواطنيك تأتي في ذيل اهتماماتك.
يدهشني أن يظن أحد أن هناك فارقا كبيرا بين لصوص بغداد والموصل وكركوك والبصرة,
وبين اللصوص في عهدك الذين لم يكونوا في حماية القوات الأمريكية والبريطانية, ولم تفجر لصوصيتهم فوضى عارمة وانفلات أمني ومشاعر انتقام من حكم تسلطي وحشي, لكنهم يرتدون أفخر الثياب, ويفتح لكل منهم باب سيارة فارهة سائق مهندم, ويستقبله على باب البنك السيد المدير أو نائبه, ويقدم مشروعا وهميا في غياب تام للدولة ومؤسساتها وإدارتها, ولا يمر وقت طويل حتى تكون عدة مئات من الملايين في حساب صاحبنا الذي يعلم مسبقا, وبناء على سوابق وشهود ووقائع وخبرات أن نهب خيرات الوطن في عهدك الميمون أيسر وأكثر سهولة من حصول عامل مسكين على منحة سنوية لا تكفي بضع ساعات من الدروس الخصوصية لأحد أبنائه.
سيدي الرئيس,
ماذا فعلت بمصرنا ووطننا وحبنا الكبير التي كانت هادئة ومسالمة يحرسها نيلها, ويربت على كتفها أبناؤها كلما خرجت من محنة أو هزيمة أو نصف انتصار أو نكسة أو فشل في مشروع أو خطة خمسية؟
أنت الوحيد الذي تمكن من تغيير معالم الوطن فبدا كأنه انتقام من مصر وشعبها وأرضها, ولم تكتف بكوارث لا حصر لها في أكثر من عقدين, بل إنك في مشهد مأساوي حزين, وتكبر سيادي في مواجهة رعاياك, واحتقار شديد البأس لأبناء أرض الكنانة, تقرر بعد اعداد وتهيئة وخطط محكمة وتفريغ السلطة من أي كبير أو طامح استمرار حكم مصر في صورة ابنك, وازدراء كل المطالب الشعبية والشرعية والقانونية والدستورية والانسانية والدولية التي ترى حق الشعب في تقرير مصيره ونظام حكمه واختيار حاكمه وفقا لمساواة كل المصريين وأحقية أي منهم في ترشيح نفسه ومنافستك في مناخ من الحرية والديمقراطية والأمانة والوطنية.
هل أنت خائف من رسالة تهديدية قد تأتيك على حين غرة يطالبك فيها اسياد العالم الجدد بالافراج عن آلاف المعتقلين الأبرياء, وبقبول مبدأ المنافسة النزيهة في انتخابات رئاسة الدولة, وباعطاء سلطة لرئيس الوزراء, كما فعلوا مع أبي عمار بعد أن فتتوا بقايا سلطته, وبكشف حسابات كل رجالك وأسرتك وولديك, وبتقديم كشف آخر لعشرات المليارات التي دخلت خزينة الدولة في العقدين المنصرمين وخرجت منها في مشروعات فاشلة, أو إلى حسابات اللصوص, أو في جوف حيتان الفساد, أو في مسكنات اقتصادية وتموينية لتهدئة أبناء انتفاضة يناير عام 77 حتى لا يتكرر المشهد في عهدك؟
دعني, سيدي الرئيس, أكون أكثر صراحة في مخاطبتك رغم معرفتي سلفا بأن نهجك في الابتعاد عما يصدع الرأس أثبت نجاحا فائقا, وأن السياج الأمني والرقابي الذي يحيط بك ويحميك ويبعدك عن شعبك لا يسمح لهمسة
معارضة أو مخالفة أو غير ودية أن تخترق جدران القصر الجمهوري بعابدين, أو تمر سهوا على حُراسك وحُماتك ورجال أمنك ومستشاريك.
هل تعرف أن أحلام المصريين كلهم, تقريبا, قد تم اختصارها واختزالها وتضييق طموحاتها في حلم واحد يجمع شعبك من النهر إلى البحر, وهو رحيلك وانتهاء نظام حكمك, واختفاء كل الوجوه الموميائية التي التصقت بكرسي العرش في وجودك, وساهمت عمدا ومع سبق اصرار وترصد في محاولات اغتيال الوطن, وتناسوا, وتناسيت معهم, أن مصر العظيمة أكبر منكم جميعا, وأنها ستقوم, وتنهض, وتزيل عن جسدها الطاهر ما علق به من آثام, وستستمتع بخيراتها وخبرات أبنائها , وستطرد من ارضها وتاريخها كل من حاول تخريبها وتدميرها.
حلم مصري جميل وشفاف يحمل في طياته أحزان الأرض كلها, ويجمع كل أبناء وادي النيل الخالد, ويهفو ليوم تشرق فيه شمس دافئة وساطعة تنعشه نسمات خفيفة, يفتح فيه المصري عينيه الواسعتين فلا يراك, ولا يشاهد أثرا لوريثك أو شقيقه, ولا يعثر على أي من الذين لازموك, وأحاطوا بك, وبسطوا عليك الحماية كما قمت أنت بحمايتهم, ليجد أمامه زعيما مصريا مطهرا بطمي النيل, وموجوعا حتى النخاع بآلام وأوجاع وعذابات أم الدنيا, فيخفف عنها, ويضمد جراحها, ويطارد سارقيها, ويأخذ بيدها إلى العالم الجديد, ويحارب الفقر والجهل والمرض والأمية, ويساوي نفسه بالمصريين كلهم, ويأمر باعادة كتابة دستور خلاق ومتحضر ومتمدن وعادل, ويمارس الديمقراطية الحقيقية التي ترى المصريين كلهم سواسية, وينهي عصر المتزلفين والمنافقين, ويمنح الصحافة حرية بناء الوطن معه, ولا يعين وزيرا أو محافظا أو مسؤولا كبيرا في أي منصب قبل أن يأتيه ملف المسؤول من المخابرات ومباحث أمن الدولة ومباحث الأموال نظيفا تماما من كل شبهة مالية أو اتصالات مشبوهة أو أمراض نفسية أو جرائم أو جنح أو سقطات أخلاقية.
ولا يتوقف الحلم المصري الجميل عند تلك المطالب لكنه يتسلل إلى كل بيت, ويمر على كل أرض صحراوية وزراعية, ويتوقف كثيرا عند الادارة العلمية السليمة والمتصلة بأحدث تكنولوجيا العصر في الكمبيوتر والكفاءات البشرية لينهل منها لمستقبل الوطن الجريح والمنهك والمتعب من طول فترة حكمك.
وحلم المصري في رحيلك أو هربك أو اختفائك أو حتى محاكمتك لا يعني أن دموع المصريين توقفت تماما, فعهدك شهد آلافا من انتهاكات حقوق المواطنين الانسانية, وتحت سمعك وبصرك وبرضائك ولذتك وشماتتك, فتح ضباط الشرطة سلخانات الشعب, وتم التعذيب, والتعليق من الأرجل, والصدمات الكهربية في مواضع العفة من أجساد رعاياك, والاعتداء الجنسي, وصب الكيروسين على الأجساد الضعيفة ثم اشعال النار بها, وتمت محاكمة أقل من واحد بالمئة من مجرمي وزبانية التعذيب.
وتستطيع منظمات حقوق الانسان المصرية والعربية والدولية أن تمدك بقائمة طويلة بطول فترة حكمك إن أنكرت للحظة واحدة أن كرامة المصري في عهدك أقل أهمية من كرامة أي حيوان أليف في أوروبا, لكن الكارثة أنك تعلم أننا نعلم أنك تعلم!
قد يبدو لك أنك تمكنت من قتل الحلم المصري في زعيم يخلفك, وليس من صلبك أو من تلاميذك ومريديك, وأن جمال مبارك الذي فرضته علينا وعلى أجيال أخرى قادمة هو الخيار الوحيد فأنت تحتقر وتزدري شعبك كله, وتراه بملايينه السبعين لا يستطيع أن يقدم لبلده الطاهر أفضل من ابنك, وأن العبيد يسمعون ويطيعون سيد القصر, لكنك مخطيء, سيدي الرئيس, فقد رأيت بنفسك كيف تهاوى تمثال صدام حسين بعد أن كان أحد ولديه على مرمى حجر من حكم عاصمة العباسيين, ومع سقوط بغداد كما تسقط ثمرة ناضجة من شجرة عجوز في يد أو فم جائع, تم توجيه النداء فورا إلى عاصمة الأمويين بتغيير الدستور, واحترام حقوق الانسان, وممارسة الديمقراطية على هوى سيد البيت الأبيض وإلا فإن عصا رامسفيلد المطرزة بقسوة تشيني والمختبئة خلف لباقة باول والملطفة ببارفان كونداليزا رايس كفيلة بفتح أبواب سجن تدمر وتسريح آلاف المعتقلين منه, والبحث عن عدة آلاف من جثث قامت سرايا الدفاع بدفنها قريبا من السجن الشهير, وتسليط اسرائيل على دمشق, واجبار كل الأسود على التعامل مع شارون كما يتعامل معه أبو عمار فيقدم التنازلات عن الأرض والقضية ويتفضل رئيس الوزراء الصهيوني بتقديم المياه المعدنية إلى قائد فتح والممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني!
كتبت لك من قبل مقالا تحت عنوان ( لا تصدقهم يا سيادة الرئيس!) أحدثك فيه عن مستشاريك ومعاونيك ووزرائك ورؤساء تحرير الصحف القومية الكبرى, لكنك, كعهدنا بك, لا تسمع إلا لصوت نفسك, ولا يصل إلى أذنيك صراخ موجوع, أو عذابات معتقل بريء, أو مطالب أرامل, أو استغاثات مواطنين, أو اقتراحات ادارية واقتصادية وأمنية وعلمية وأكاديمية وثقافية.
أعود إلى الحلم المصري الجميل والوردي والمتفائل برحيلك أو هربك, فأجده قد تمكن من الوجدان الشعبي كله, ولكنك لا تأبه ولا تكترث اعتمادا منك على استمرار البيات الطويل لرعاياك, والمهدئات التي يبتلعها رغم أنفه من أباطيل اعلام صفوت الشريف, والضمير الميت أو القاسي لمثقفي مصر ومفكريها من الذين تطعمهم موائدك العامرة, وتستضيفهم طائرة الرئاسة, وتزداد حساباتهم في البنوك بفضل امتيازات القرب منك, أو التزلف إليك, أو طاعتك, أو تبرير استبدادك.
سيدي الرئيس حسني مبارك,
لا استطيع أن اتخيل لبرهة واحدة المشهد المصري الحزين والمتهاوى والمدمر عندما ترحل أو تهرب, بإذن الله تعالى, وتبدأ الحقائق في الانكشاف على رعيتك رويدا .. رويدا, ويتنفس المصريون الصعداء, ويظهر كم الزيف والخداع والتدليس والافك الذي مارسته أجهزتك لتحدث المصريين عن المن والسلوى, وعن معجزات قد تحققت وأخرى في الطريق!
ليس لدي تفسير واحد للكراهية التي تحملها أنت لشعبك ووطنك ورعاياك حتى أنك مكنت اللصوص والحيتان الجدد في تفريغ الوطن من خيراته, ثم لم تكتف بهذا, بل أصررت على احتقار أبناء هذا البلد المعطاء العظيم باحتكارك السلطة لك دون رقيب أو محاسب أو انتخابات يترشح فيها غيرك, وكلما ظننت أن الموت مؤجل لولاية أخرى قمت بالتجديد لنفسك, واستفتيت المصريين, وكنت أنت القاضي والحكم والخصم والجلاد, فنجحت في استفتاءات لولايات أربع, فالنتائج معروفة سلفا, ولم يتوجه إلى صناديق الاستفتاء أكثر من ربع عدد المصريين, ولكن رجالك قادرون على وضع أي نتيجة تراها مناسبة.
استطيع أن أحصي لك مئات الأسباب أو آلافها للتأكيد ولاثبات كراهيتك لشعبك ولمصر كلها, وأنك كنت تسعى فقط للذة السلطة وشهوتها, ثم استمرارها في أجيالك من بعدك, ولذا رفضت تعيين نائب لك, ومسحت أي سلطة أخرى تقف بجانبك, وجمعت حولك المنافقين والمقربين والمتزلفين والفاشلين, وأغضمت عينيك عن كل التجاوزات المتعلقة بكرامة المصريين, مع افتراض أنها لم تكن رغبتك أو ارادتك أو برضائك, أو هي تعليمات ملزمة من قصرك لتأديب المصريين وتعليمهم مباديء العبودية والطاعة والصمت.
أليست وجبات التعذيب والاهانة والركل والبصق على الوجوه والاعتداء الجنسي والحرق في أقسام الشرطة وبمعرفتك الشخصية كراهية للمصريين ولمصر الطيبة الصابرة؟
أليس ما حدث تحت سمعك وبصرك من نهب خيرات وأموال مصر في ولاياتك الأربع كراهية تحملها أنت للبلد الذي سلمك شعبه مقاليد
حكمه, ومنحك سلطات مطلقة في مشربه ومأكله وحياته وموته وحاضره ومستقبله؟
أكثر من عشرين عاما وأنت, سيدي الرئيس, لا تملك رؤية واضحة وصريحة وواقعية وملزمة بسلطتك التنفيذية لصناعة دولة مؤسسات قائمة على إدارة سليمة وحديثة بضلعيها, الكفاءة والاستعانة بالتطور التكنولوجي الهائل؟
من يشاهد ما آلت إليه أوضاع الوطن في ظل قيادتك وحكمك لا يصدق أن هذا البلد يمكن أن يقوم من جديد, ولو قامت جهة محايدة تهتم بشؤون الادارة والحكم بزيارة لأهم مؤسسات الدولة في عهدك, الشهر العقاري, مجمع التحرير, محاكم الدولة, أرشيف مصر العصرية, خطوات استخراج ورقة رسمية أو شهادة أو تصدير مطبوعة أو تلقي بريد من الداخل أو الخارج, أو تقديم طلب لجهة رسمية أو تسلم بضائع في الجمرك, أو الحصول على وظيفة, لما صدق أننا في بدايات القرن الواحد والعشرين وننتمي لعالمنا ولعصرنا وزمن العولمة!
الادارة السليمة والعلمية التي لا يمكن لأي دولة عصرية أن تخطو خطوة واحدة للامام بدونها لم تكن على قائمة اهتماماتك, وربما طرحها عليك مستشار أو وزير أو محافظ أو خبير أو أكاديمي, لكن يبدو أن تخفيف معاناة مواطنيك تأتي في ذيل اهتماماتك.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى